الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية الرأي الحر: ما يرفضه أغلب التونسيين من السياسيين!

نشر في  11 جوان 2014  (10:40)

بقلم: محمد المنصف بن مراد

يئن الشعب التونسي من التهاب الأسعار (الكيلوغرام قرع ناهز 1500 مليم!) ومن الإرهاب، وأغلب السياسيين في حرب ضروس على الكراسي والمناصب، علما انّ الترويكا لم تنجز ولو 10 ٪ من وعودها بل أغرقت البلاد في العنف وأظهرت ميوعة لا مثيل لها إزاء الارهابيين ودمّرت هيبة الدولة وتجاهلت الأوساخ في الشّوارع وشجّعت انفلات العنف في المساجد وتغافلت عن «الجمعيات الخيرية» التي تحاول القضاء على الشّباب ومستقبل تونس ووسطيّتها، هذا دون الحديث عن اغتيال السياسيين والأمنيين وذبح الجنود وتبجيل «الأنصار» والموالين في الانتدابات!
واليوم وقبل الانتخابات،  هناك احترازات حول جلّ الأحزاب فالمواطنون يعتبرون تونس أمانة بأيدي السياسيين ويخشون انّ  الرّكض وراء الكراسي والمناصب يعني خدمة المصالح الشخصيّة والسياسيّة عوض خدمة مصالح الوطن.. فالكلام قبل الانتخابات شيء وأما التنفيذ بعد الانتخابات فأمر ثان..
بالنسبة الى حركة النهضة هناك مشكل كبير وهو انّه حزب ديني هدفه الاستراتيجي هو أسلمة شعب مسلم، وهي حركة لها روابط متينة مع الحركة الاسلاميّة الدولية وفي صلبها أقلية ساندت العنف وأنصار الشريعة.. وممّا لا يرقى إليه أيّ شكّ هو أنّ النهضة أخفقت في تصريف شؤون البلاد عندما كانت ترأس الحكومة وتتحكّم في المجلس التأسيسي.. وبالتالي فقد أضعفت الدولة التونسية طالما أنّها تفتقر الى الخبرة وإلى رجال دولة.. ولولا حنكة السيد راشد  الغنوشي  الذي كبّل متطرّفي حزبه لواجهت الحركة الدّينية مشاكل لم تتصوّرها..
وما لم تفصل النهضة بين البعدين السياسي والدعوي، فلن تنجح في تسيير البلاد ولن تنجح في مجتمع وسطي يعتبرها لا تتماشى مع طبيعة أغلب التونسيين واعتدالهم..
إنّ البلاد بحاجة الى حزب نهضة 100 ٪ تونسي ومدني يهتمّ بالاقتصاد والثقافة والديمقراطية والهوية الوسطية التي نحتت على امتداد 3000 سنة! وما دامت للنهضة «أهداف» دينيّة فستفشل رغم مناصرة عدد ما انفكّ يتقلّص من التونسيين لها.. إنّ هذا الحزب بحاجة الى تغييرات جذريّة في برنامجه،  وكذلك إلى اقصاء الصّقور الذين أضرّوا بالاسلام وبتونس وبأنفسهم!
أمّا «نداء تونس» فقد صار الحزب الملجأ،  فقد التحق به عدد هامّ من المواطنين نظرا الى «كاريزم» السيد الباجي قائد السبسي الذي برز في ظروف تتّسم بتشتّت المعارضة وتخوّف  النخب والنساء والمثقّفين والطبقات الوسطى من النهضة، ولذلك فقد رأى فيه كثيرون «المنقذ» ورجل الخلاص L'homme du salut وفي البداية لقد ساندت الحزب شخصيات تقدّمية على غرار السادة الطيب البكوش وبوجمعة الرّميلي وعدد من النقابيين وكلّهم اعتبروا الباجي  «سدّا منيعا» ضدّ التيار الديني..
ثم تدفّق على الحزب عدد من المسؤولين التجمّعيين الكبار (على غرار محمد الغرياني) وهؤلاء لهم شبكة علاقات واسعة وخبرة بالانتخابات،  ولكن هناك احترازات كبرى ضدّهم، فمعظم الديمقراطيين والشباب والتقدّمين يرفضونهم سياسيا بحجة أنّهم مرتبطون بالنظام السابق أو النظام الفاسد..
ولئن كان من حق كل تونسي تعاطي السياسة طالما أنّه لم تقع إدانته من قبل العدالة، فإنّ من مصلحة الأحزاب الديمقراطية ألاّ تحتضن رموز النظام السابق وتمنحها مناصب حساسة، حتى بصفة مستشارين..
ولعلّ أكبر خطر يتهدّد «نداءتونس» هو أنه مركز كليا على «السبسي»، لذلك قد يؤدّي اعتزال هذا الرجل للسياسة الى انفجار هذا الحزب وحتى الى انقراضه.
أمّا الجبهة الشعبيّة فإنّ مواقفها وبرامجها وقيادييها يجتمعون حول خطّ واضح يدعو الى العدالة الاجتماعيّة وتنمية الجهات وعدم المديونيّة والدفّاع عن «الزوالي»،  وفي المقابل فإنّ نقاط ضعفها تتمثّل في أنّها لا تأخذ مأخذ الجدّ المحيط الاقتصادي الدولي ومصالح رجال الأعمال الذين يخشون الضرائب المشطّة وتدخّل الدولة في الاقتصاد و«تجييش» العمال ضدّ المؤسّسة الاقتصاديّة أو كبار الفلاحين..
أمّا التحالف الديمقراطي فانّ مواقفه الأخيرة من مجيء بعض السوّاح اليهود  للغريبة، وخاصّة الاقصاء السياسي، شوهت صورته. فما معنى «التحالف الديمقراطي» والحال انّ أغلب الأحزاب تتبنّى الديمقراطية؟
وفي ما يخصّ «المسار» و«القطب» فإنّ هذين الحزبين لم يغيّرا موقفهما حول رفضهما للحركات التي تريد «أسلمة» شعب تونس، كما لم يتخلّيا عن دفاعهما المستميت عن حقوق المرأة والحريات.. بقي انّ اتصالهما بالناخبين يشكو من نقائص نظرا الى امكاناتهما المادّية المحتشمة.. وبخصوص «التكتّل» فإنّ صورته غائبة لأنّه حزب حاكم،  فرغم بعض المواقف الحاسمة للسيد مصطفى بن جعفر في السنة الفارطة، فقد بات منقسما وصورته شديدة الضّبابية، كما تقلّصت شعبيته علما أنّ بن جعفر أفضل بكثير من المنصف المرزوقي الذي بثّ التفرقة وأثار استهزاء الناس بموافقه الغريبة وتعامله مع المتشدّدين بتسامح خطير.. ثمّ لابدّ من الإشادة ببعض قياديي الجمهوري الممتازين لكن صورتهم باتت ضبابيّة بعد أن كانوا مفخرة الديمقراطيين!
أمّا الأحزاب الراديكالية الداعية الى المشانق السياسية والتصفية الجسديّة فهي أحزاب بلا شعبيّة ولا مصداقيّة ولا مستقبل.
إنّ أغلبيّة التونسيين سيصوّتون للوسطيّة السياسيّة التي ترفض المتاجرة بالدّين وتدافع عن حقوق المرأة واستقلال القضاء وحرّية الإعلام وتنمية الجهات التي كانت مقصيّة، وتهتمّ بالهويّة، والوسطيّة السياسيّة التي تتصدّى للارهاب والتهاب الأسعار...